الرابعة نيوز_
سعدية عبيد: بين مقاعد الدراسة ودهاليز المحاكم عاش حسام السدودي (39 عامًا) قصة تحدٍ وإصرار، جعلته أول محامٍ من ذوي الإعاقة الحركية يترافع أمام القضاء الفلسطيني في قطاع غزة. ورغم أن إعاقته لم تمنعه يومًا من تحقيق أحلامه، إلا أن حرب الإبادة الأخيرة كشفت له لأول مرة شعورًا قاسيًا بالعجز، ليس عن نفسه، بل عن حماية أسرته الصغيرة وسط النزوح والقصف والجوع.
رحلة التحدي والنجاح:
منذ طفولته، رفض حسام أن تكون إعاقته قيدًا على أحلامه. التحق بمراكز ومؤسسات لرعاية ذوي الإعاقة، لكن طموحه دفعه للخروج منها بحثًا عن التعليم. رغم صعوبات الحركة وصعوبة الوصول إلى المدارس والجامعات، وبدعم من الأصدقاء والمؤسسات الخيرية، حصل على كرسي كهربائي (سكوتر) فتح له أبواب الاستقلالية والدراسة.
سجّل في كلية الحقوق بجامعة الأزهر وتحدى القيود الاجتماعية ونظرة البعض لذوي الإعاقة، ليُثبت نفسه طالبًا مثابرًا، ثم محاميًا متدربًا أمام القضاة. لم يكن سهلاً أن يقف – وهو جالس على كرسيه المتحرك – مدافعًا عن قضايا الناس، لكن إصراره أكّد أن الإعاقة لا تُلغي الحقوق ولا تمنع من الالتزامات.
"أنا إنسان لي حقوق وعليّ واجبات، وإذا أخطأت أتحمل المسؤولية مثل أي زميل"، بهذه الكلمات واجه حسام القضاة والموظفين الذين استغربوا وجوده بينهم. بجهده حصل على المزاولة وأصبح عضوًا في نقابة المحامين، محققًا حلمه الذي رسمه منذ سنوات طويلة على جدران غرفته: "لن أستكين ولن أستسلم".
الحياة العائلية قبل الحرب:
في عام 2016 تزوج حسام، ورُزق بابنته بسنت التي تبلغ اليوم ثماني سنوات. كان يعيش مع زوجته حياة طبيعية ومستقرة، رغم بعض المشقات المرتبطة بالإعاقة. تقول زوجته:
"حياتنا كانت سعيدة، ولم يكن وضع حسام عائقًا أمامنا، بالعكس كنا نعيش حياة طبيعية كباقي الناس."
الإعاقة في زمن الحرب:
مع اندلاع الحرب الأخيرة، أصبح حسام وعائلته نازحين منذ اليوم الأول بسبب خطورة السكن قرب الحدود في حي الشجاعية. لكن تجربة النزوح كانت أقسى على ذوي الإعاقة الحركية.
يقول حسام:
"لأول مرة أشعر أن إعاقتي تُقيدني فعلًا. لا أستطيع تلبية احتياجات أسرتي أثناء القصف والنزوح والجوع."
تضيف زوجته:
"أصعب لحظاتنا حين يطلبون منا النزوح. لا نجد سائقًا يقبل بنقلنا بسبب وضع حسام الصحي، وإن وجدنا يطلب مبالغ خيالية. نضطر أحيانًا أن نبقى تحت الخطر أو نمشي على أقدامنا لمسافات طويلة."
وفي لحظات القصف، طلب حسام من زوجته أكثر من مرة أن تتركه وتنجو مع طفلتهما، لكنه كان يسمع منها ردًا واحدًا: "بنكون سوا مع بعض بكل الظروف."
أما ابنته بسنت فقالت ببراءتها: "ما بسيبش بابا، و بروح بدنا نكون كلنا سوا عطول."
معاناة النزوح والجوع:
تعيش العائلة اليوم في مخيم نزوح خاص لذوي الإعاقة الحركية في دير البلح يعتمد على مساعدات بسيطة من مطابخ تكافل، لكنها لا تكفي في ظل المجاعة. يروي حسام أن زوجته كانت تقسم كيلو الطحين على ثلاثة أيام، رغيفًا واحدًا لكل شخص يوميًا.
حلم النجاة:
وسط هذا المشهد القاسي، لا يفكر حسام إلا في إنقاذ أسرته من الجوع والموت:
"أطالب بفرصة لي ولعائلتي للسفر والنجاة بعيدًا عن الإبادة والتشرد."
أما الطفلة بسنت، فعندما سُئلت عن أمنيتها، قالت ببساطة: "بدي أسافر على تركيا، ما فيهاش لا حرب ولا قصف."
بين قصة نجاحه كأول محامٍ على كرسي متحرك يترافع أمام القضاء، ومعاناته في زمن الحرب كأبٍ عاجز عن إنقاذ أسرته، يجسد حسام السدودي حكاية مئات الآلاف من ذوي الإعاقة في غزة الذين يدفعون ثمنًا مضاعفًا للحياة والموت تحت القصف والحصار.